يوميات اكتئاب غير مزمن

 

السبت 12-7-2025

ولكن كيف بدأت حالتي وتطوّرت الى حدّ اللجوء الى طبيب نفسي؟

قبل تشخيصي بأشهر، بدأت اشعر بإرهاق لا يتناسب مع الجهد، اريد فقط ان ابقى ممددة على الكنبة طوال الوقت، لا همة لعمل اي شيء.

رحلة بسيطة للسوبرماركت تتعبني، ترتيب اغراض التسوق منهك، الرد على اتصال هاتفي او الواتس اب لا طاقة لي به.

لم تعد لديّ طاقة لرؤية الاهل والصديقات والمشاركة في المناسبات.

 

معقول هذه انا التي يضرب االمثل في نشاطي وحيويتي وانطلاقي اللا محدود؟

اين الهمة؟ اين المرح؟ اين الحيوية؟

وما هي قصة هذا الصداع الذي لا يتوقف من اللحظة التي اصحو فيها الى ان انام؟

 

انام؟

هذه قصة اخرى.

انا متيقظة كل الوقت وكأنني جنديٌ على الجبهة. انام ساعة او ساعتين بشكل مُتقطّع

ثم انهض من الفراش،  اشرب قهوتي واتابع الاخبار والنت، وهكذا يبدأ نهاري الى ان يحين الليل.

استيقظ احيانا وشعور بالرعب يتملكني، الهث وكأنني في ماراثون، اشعر بأن ساعتي دنت، فأبدأ في التشهّد والدعاء. احيانا يصيبني ذلك وانا اقود سيارتي، فأتوقف على جانب الطريق، افتح النوافذ، اطفيْ المحرك، وأشغّل الفلاشر، احاول الاتصال بأحد كي أعلمه بوضعي (ادركت لاحقا انها كانت نوبات ذعر panic attacks)).

فكرة الموت لا تخيفني البتّة، بل ارحب به كضيفٍ عزيز، لا اسعى للموت، ولكنني اعرف انه حق، وان هذا مصير كل حيّ، واشعر بأن ليس هناك ما اخسره ان كانت هذه النهاية، او ما اكسبه ان طال العمر اكثر، واذا قدّر الله لي ان ارحل وانا في كامل صحتي، فهذه نعمة اطلبها واتمناها.

ما الذي يحصل؟ وهذا الشعور الدائم بالتوتر والقلق وحتى الخوف الذي لا مبرر له؟ ان اتصلت بأحد ولم يرد يتملكني الخوف. لا انتظر الى ان اصل البيت بل اوقف السيارة واستعلم عن الامر وانا في غاية الرعب.

اريد لكل شيء ان يبقى على حاله، لا ارغب ان يغادر احد من الاهل والاصدقاء البلد حتى ولو لحجٍ او عمرة او لقاء الاحبة، اصبحت عاطفية بحيث تنهمر دموعي حين اتحدث عن اي شيء ولو اغنية، تخيّلوا!!!. كثيرة التأثر، قلقة، مترددة، غير قادرة على اتخاذ اي قرار ولو بسيط.

 

اما عن النسيان، فحدث بلا حرج، اذ بلغ درجة محرجة جدا، لا اعرف اين مكان الاشياء، اتأكد من اغلاق باب البيت او السيارة عدة مرات، وقس على ذلك.

صحياً، وعدا عن الصداع الشديد، اصبحت اشعر بتوتر عضلي في كل جسمي، تؤلمني التفاتة بسيطة في العنق، او حمل اي شيء ولو خفيف. ظهري متيبّس، كلي متخشّب وكأنني قطعة اثاث.

 

الكلام صعب عليّ فحلقي يؤلمني كثيرا حين اتكلّم.

فكّرت في ان الموروث العائلي من الامراض قد ادركني، فلدينا كالعديد من العائلات تاريخ من الامراض المزمنة مثل السكري والضغط  والكولسترول والدهنيات والغدة الدرقية وامراض القلب وحتى السرطان.

 

رحلة محاولة معرفة سبب الاوجاع والارهاق استغرقت حوالي العام، من فحوصات للدم والغدة والضغط الى فحوصات الانف والاذن والحنجرة لمعرفة سبب الم الحلق  خاصة حين اتكلّم، الى الاشعة فوق الصوتية والصور الطبقية وفحص الجهد للقلب والرئة، والرنين المغناطيسي للدماغ لعل ذلك يدّلني على سبب الصداع.

 

الفحوصات لم تُسفر عن شيء ولله الحمد. وكما ذكرت في اول نشرٍ لي عن الموضوع، فإن طبيب الجهاز الهضمي اللامع الذي كنت قد زرته مرة واحدة فقط اقترح في الزيارة الثانية ان عليّ مراجعة طبيب نفسي، حيث ان اعراض القولون العصبي المزمن التي تفاقمت وتغيّرت اعراضها، لا تعود في معظمها الى اسبابٍ عضوية.

 

بعد ثلاثة ايام من زيارة طبيب الجهاز الهضمي كانت الزيارة الى طبيب نفسي اكد لي اصابتي بالاكتئاب، وبدأت رحلة العلاج منذ سنة ونصف.

 

مرحلة العلاج ما زالت مستمرة بعد سنة ونصف، ولكن استطيع القول بأنني تحسّنت بأكثر من ثمانين بالمئة.

لم يكن الامر سهلا، وكذلك كسب تفهّم المحبين.    

في اللقاء القادم، اتحدث عن ذلك.

اتمنى الصحة للجميع

ايمان

Comments

Popular posts from this blog

يوميات اكتئاب غير مزمن

يوميات اكتئاب غير مزمن